شفاء الصدور بذكر قراءات الأئمة السبعة البدور
شفاء الصدور بذكر قراءات الأئمة السبعة البدور
[مقدِّمة المصنِّف]
بسم الله الرحمن الرحيم
حمداً لمن نوَّر قلوب أهل القرآن بنور معرفته تنويراً، وبجَّلهم به يوم العرض عليه، والوقوف بين يديه تعظيماً لهم وتوقيراً، جعل صدورهم أوعية وحزراً لكتابه، ووفقهم لتلاوته، والعمل بشروطه وآدابه، فهم أعلى الناس في درجات الجنان تخدِمهم فيها الحور العين والولدان، ويقال لهم فيها تهنئة لهم وتبشيراً: (إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً)(الإنسان:22).
أحمده أن شرح صدورنا بتيسير حفظ هذا الكتاب المبين، وأشكره إذ يسَّر لنا معرفة قراءته ورواياته بالإسناد عن الأئمة المتقين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له القوي المتين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه وخليله القائل فيما يرويه عن رب العالمين: " من شغله القرآن عن ذكري ومسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين "، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين صلاة وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.
أما بعد: فيقول العبد الفقير القائم على قدمي العجز والتقصير الراجي عفو ربه المبدئ المعيد: رضوان بن محمد المكنى بأبي عيد: هذا مؤلف جليل شريف، ومختصر مفيد منيف، ذكرتُ فيه ما تضمنه التيسير ونظمه من القراءات، ضامًّا إليه ما استفدته من النفائس حال قراءتي على السادات، سلكتُ فيه طريق الاختصار، ونبَّهتُ فيه على ما ليس من طرق الكتابين كما حرره الجهابذة الأخيار، ماشياً في ذلك على طريقة المحققين، مكرراً فيه ما تدعو إليه ضرورة المحتاجين، وسمَّيته: (شفاء الصدور بذكر قراءات الأئمة البدور السبعة)، ومن الله أرجو أن يكون تذكرة لنفسي في حياتي، وأثراً حسناً نافعاً لي بعد مماتي، إنه على ما يشاء قدير، وبالإجابة جدير.
مقدِّمة
اعلم أيها الواقف على كتابي هذا - شرح الله صدري وصدرك ورفع في الدارين قدري وقدرك - أني رتبته على حسب سور القرآن، ولا أترك فيه من أحكام الفرش إلا ما تكرر، وصار في نهاية البيان، وذلك نحو: (هو)، و(هي)، و(النبي) ونحو ذلك من الفروش.
وأما الأصول فالمهم منها ما يحتاج إلى تحقيق فلا أترك منه شيئاً، وأما المعلوم كالمدِّ، وميم الجمع، وترقيق الراءات، وتغليظ اللامات، والهمز الساكن ونحوه، فلا أطول بذكره في الغالب، وأكتب لفظ القرآن الكريم بالأحمر وغيره بالأسود ليتميز المتبوع من التابع.
فإذا فرغتُ من الترجمة أكتب حرف (ش) إشارة للشاهد، أو أقول: (لقوله) مريداً بذلك الإمام الشاطبي، ثم أذكر الشاهد من الحزر، وأذكر حكم كل ربع بانفراده ليكون ذلك أسهل على المبتدئ، وأسلم من الوقوع في الخطأ، وأشير إلى انتهائه بذكر آخر كلمة منه مع حكم الوقف عليها.
وأما باب حمزة وهشام على الهمز فإنه من أصعب الأبواب، وقَلَّ من يتقنه من الطلاب، ولذلك لا أترك منه إلا ما كان ظاهراً، وما أذكر منه هو الصحيح، فاشدد يدك عليه، واترك ما سواه تهد إن شاء الله تعالى.
ثم إني إذا فرغتُ من الربع أصلاً وفرشاً أقول: (الممال)، وأذكر ما فيه من الألفاظ الممالة مع ضمِّ كل نظير إلى نظيره، ثم أعزوه لقارئه مع ذكر التنبيهات المحتاج إليها، وذلك في غير السور الإحدى عشرة الممالة رءوس آيها.
وأما هي فلي فيها اصطلاح آخر يأتي عند أوَّلها، وهي طه إن شاء الله تعالى، ثم أذكر ما للكسائي من إمالة هاء التأنيث في الوقف، ولا أترك إلا ما كان ظاهراً، ثم أقول بعد ذلك: (المدغم)، ثم أذكر الإدغام الصغير وأعزوه لقارئه.
ثم أرسم حرف (كـ) إشارة للإدغام الكبير للسوسي، عن أبي عمرو مع ضم النظائر بعضها إلى بعض.
وأما ياءات الإضافة والياءات الزوائد فأذكرها في مواضعها معزوَّة لقارئها، مع ذكر ما تدعو الضرورة إليه من الشواهد.
وإذا قلتُ: قرأ الحرميان فمرادي بهما نافع وابن كثير المكي.
وإذا قلتُ: الابنان فمرادي بهما ابن كثير وابن عامر الشامي.
وإذا قلتُ: البصري فالمراد به أبو عمرو بن العلاء.
وإذا قلتُ: الكوفيون فالمراد بهم عاصم وحمزة والكسائي.
وإذا أطلقتُ الدوري: فالمراد من روايته عن أبي عمرو، فإن كان من روايته عن الكسائي قلتُ: دوري الكسائي إلا إذا كان معطوفاً على البصري فلا أُقيده لأمن اللبس.
وإذا ذكرت ضمير الغائب بارزاً (كقوله) أو مستتراً (كقال) أو (ذكر) فالمراد به الإمام الشاطبي – رحمه الله تعالى -.
وإذا قلتُ: (المحقق) فالمراد به العلامة ابن الجزري – رضي الله تعالى عن الجميع -.
وبقيت أمور لا تخفى على ذي بصيرة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
باب ذكر الأئمة السبعة
ورواتهم وطرقهم
فأوَّلهم: نافع من روايتي قالون وورش عنه، فقالون من طريق أبي نشيط عنه، وورش من طريق الأزرق عنه.
الثاني: عبد الله بن كثير المكي من روايتي البزي وقنبل عن أصحابهما عنه، فالبزي من طريق أبي ربيعة عنه، وقنبل من طريق ابن مجاهد عنه.
الثالث: أبو عمرو بن العلاء البصري من روايتي الدوري والسوسي عن يحيى اليزيدي عنه، فالدوري من طريق أبي الزعراء عنه، والسوسي من طريق ابن جرير عنه.
الرابع: عبد الله بن عامر الشامي من روايتي هشام وابن ذكوان عن أصحابهما عنه، فهشام من طريق الحلواني عنه، وابن ذكوان من طريق الأخفش عنه.
والخامس: عاصم الكوفي من روايتي أبي بكر شعبة وحفص عنه، فشعبة من طريق يحيى بن آدم عنه، وحفص من طريق عبيد بن الصباح عنه.
والسادس: حمزة الزيات الكوفي من روايتي خلف وخلاد عن سليم عنه، فخلف من طريق إدريس الحداد عنه، وخلاد من طريق ابن شاذان عنه.
السابع: علي بن حمزة الكسائي الكوفي من روايتي أبي الحارث والدوري عنه، فأبو الحارث من طريق محمد بن يحيى عنه، والدوري من طريق جعفر النصيبي عنه.
(ش) ( )
فَأَمَّا الْكَرِيمُ السِّرِّ فِي الطِّيبِ نَافِعٌ
فَذَاكَ الَّذِي اخْتَارَ الْمَدِينَةَ مَنْزِلاَ
إلى قوله:
...........................................................
وَلاَ طَارِقٌ يُخْشَى بِهاَ مُتَمَحِّلاَ
وبهذا تعلم الفرق بين القراءات والروايات والطرق، فما نسب من القراءة للإمام من السبعة يقال له: قراءة، وما نسب للآخذ عنه ولو بواسطة يقال له: رواية، وما نسب للآخذ عن الراوي يقال له: طريق.
فنقول مثلاً: إثبات البسملة بين السورتين قراءة المكي، ورواية قالون عن نافع، وطريق الأصبهاني عن ورش، وهذا هو الخلاف الواجب الذي لا بدَّ من معرفته.
وأما الخلاف الجائز فهو خلاف الأوجه الآتي على سبيل التخيير، كأوجه البسملة، والوقف بالسكون وبالروم والإشمام، وبالطول والتوسط والقصر ونحو ذلك.
خاتمة:
اعلم أنه لم يكن في الصدر الأوَّل جمع القراءات المتعارف اليوم، بل كانوا لاهتمامهم بالخبر وعكوفهم عليه يقرءون على الشيخ الواحد العدَّة من الروايات والقراءات كل ختمة برواية لا يجمعون رواية إلى أخرى، واستمر عملهم على ذلك إلى أثناء المائة الخامسة عصر الداني وغيره، فمن ذلك الوقت ظهر جمع القراءات في الختمة الواحدة إلى هذا الزمان.